أسباب اصفرار العين

عندما نتأمل في عمق عيوننا، نجد أنها تحمل قصص حياتنا وأسرارها، فهي ليست مجرد عضو حسي بل هي نافذة تكشف الكثير عن حالتنا وصحتنا. في بعض الأحيان، تكون تلك النافذة مؤشرًا على تحديات داخلية نواجهها واحدة من تلك التحديات تكون متمثلة في اصفرار العين، حيث يتبدل لون البياض إلى لون أصفر غير اعتيادي.

لذلك تُعد العين المرآة الدقيقة لصحة جسمنا ويعكس اصفرارها تراكم مركب البيليروبين في أنسجتها، إنها ليست مجرد مشكلة تجميلية، بل هي تنبيه من جسمنا بأن هناك ما يحتاج إلى اهتمام واستجابة.

هذا المقال من خلال موقع عيادة أون، سنكتشف سويًا ماهية اصفرار العين وأسبابها المحتملة، سنتعرف على كيفية التعامل مع هذه الظاهرة وأهمية الكشف المبكر، حيث سنسلط الضوء على طرق العلاج والوقاية الممكنة. رافقونا في هذه الرحلة لاكتشاف أسرار الاصفرار وكيفية التغلب على التحديات الصحية التي قد ترمز إليها.

ما هو اصفرار العين؟ 

يظهر اصفرار الـعين من خلال تحول بياض العين إلى لون أصفر غير طبيعي ويحدث هذا التغير نتيجة تراكم مادة البيليروبين في الدم. يتم توليد مادة البيليروبين عندما تتحلل خلايا الدم الحمراء ويتم تحليل الهيموغلوبين، الذي يُعطي الدم لونه الأحمر المعتاد.

تنتقل مادة البيليروبين من الدم إلى الكبد ومنها إلى القناة الصفراء، ثم تتجه إلى الأمعاء ليتم تخريجها من الجسم عبر البول. وفي حالة تعثر هذه العملية وعدم قدرة الجسم على التخلص من البيليروبين بشكل كافٍ، يتراكم هذا المركب في الدم، مما يؤدي في النهاية إلى ظهور الصفراء في بياض العين والجلد، خاصةً في مناطق مثل اليدين والأظافر. 

هذا يشير إلى وجود تحديات صحية يجب معالجتها واستشارة الطبيب لتحديد السبب واتخاذ الخطوات اللازمة للعلاج.

أسباب اصفرار العين 

تكثر الأسباب التي تؤدي إلى اصفرار الـعين ومنها:

مشاكل الكبد والمرارة:

تتجلى مشكلات الكبد في تغيير لون بياض العين إلى الأصفر، يكون ذلك نتيجة تكسر كريات الدم الحمراء القديمة، حيث تُنتج مادة البيليروبين ذات اللون الأصفر. 

يؤدي الكبد دورًا مهمًا في تنقية البيليروبين واستخدامه لإنتاج العصارة الصفراوية ومن ثم يتم إفرازها في الأمعاء لتسهيل عملية هضم الدهون وإخراجها من الجسم عبر البراز. 

إلا أنه في حالة عدم قدرة الكبد على معالجة البيليروبين، يحدث تراكمه في الدم، يؤدي في النهاية إلى اصـفرار العين وحتى الجلد وهذا المرض يُعرف باليرقان.

أسباب اصفرار العين نتيجة مشاكل الكبد والمرارة:

• التهاب الكبد:
  • يعتبر التهاب الكبد من أبرز الأسباب التي تؤدي إلى اصفرار العـين، حيث يصبح الكبد الملتهب غير قادر على معالجة البيليروبين، مما يتسبب في ارتفاع مستوياته في الدم. 
  • يمكن أن ينجم التهاب الكبد عن العديد من الأسباب مثل الإصابة بالفيروسات الكبدية مثل فيروس الكبد A، B أو C.
• مشاكل المرارة:
  • تعود أسباب اصفرار الـعين والجلد إلى مشاكل في المرارة والقنوات الصفراوية. 
  • فالعصارة الصفراوية التي يفرزها الكبد تتجه إلى المرارة عبر القنوات الصفراوية لتخزينها وإذا حدث انسدادٌ لهذه القنوات، يتراكم البيليروبين في الدم مما يؤدي إلى اصفرار الـعين والجلد.
• تشمع الكبد:
  • يعد تشمع الكبد من أسباب اصفرار الـعين والجلد، حيث يعوق تشمع الكبد قدرة هذا العضو على تنقية البيليروبين من الدم، مما يتسبب في تراكمه.

قد تتبع مشاكل الكبد والمرارة عوارض إضافية مثل الألم في منطقة البطن، الحمى وفقدان الوزن. يجب على الأفراد الذين يعانون من الاصفرار مراجعة الطبيب لتحديد السبب والحصول على العلاج المناسب.

أمراض البنكرياس:

لاحظ أن من بين الأسباب التي تؤدي إلى اصفرار الـعين والبول هي بعض مشاكل البنكرياس، مثل التهاب البنكرياس أو سرطان البنكرياس. تسبب هذه المشاكل انسداد القنوات الصفراوية وزيادة مستويات البيليروبين في الدم.

عادةً ما تلتقي قناة البنكرياس مع القناة الصفراوية لتوجيه عصارة البنكرياس والصفراء إلى الأمعاء الدقيقة. وبالتالي، إذا كان هناك التهابٌ في البنكرياس أو انسدادٌ في قناته، يمكن أن يؤدي ذلك إلى انسداد القنوات الصفراوية.

يرتبط انسداد القنوات الصفراوية بتراكم البيليروبين في الدم، مما ينتج عنه اصفرار الـعين والبول. يعتبر التشخيص السريري والفحوصات الطبية المتخصصة ضرورية لتحديد ما إذا كانت مشاكل البنكرياس مسببة للاصفرار واتخاذ العلاج الملائم.

نزيف تحت الملتحمة:

وأيضًا من بين أسباب اصفرار العين يمكن أن يكون ناتجًا عن نزيف تحت الملتحمة. 

• يحدث هذا النوع من النزيف عندما تتمزق الشعيرات الدموية الدقيقة في الملتحمة وتحدث نزيفًا. 
• يعرف الملتحمة بأنها الغشاء الرقيق الشفاف الذي يغطي الصلبة ذات اللون الأبيض في العين.
• يؤدي النزيف تحت الملتحمة إلى ظهور بقع حمراء في العين ومع مرور الوقت قد تتحول هذه البقع إلى اللون الأصفر.
•  قد يحدث النزيف تحت الملتحمة نتيجة لعوامل مثل الصدمات، السعال الشديد، الإمساك وأحيانًا بسبب حمل أشياء ثقيلة أو الإصابة ببعض الأمراض مثل ارتفاع ضغط الدم أو مرض السكري.

لاحظ أن تحديد السبب الدقيق للاصفرار في هذه الحالة يتطلب استشارة طبيب العيون وإجراء الفحوصات اللازمة.

اصفرار العين لدى الأطفال

في الفترة الأولى بعد الولادة، قد يصاب بعض الأطفال حديثي الولادة باليرقان وهو اصفرار الجلد وبياض العين. يعتبر هذا أمرًا شائعًا نتيجة لعدم نضج الكبد بشكل كافٍ لتنقية الدم من مادة البيليروبين بسرعة. يختفي اليرقان عادةً تلقائيًا مع مرور الوقت. تعتبر أسباب اصفرار العين عند حديثي الولادة متعددة وقد تشمل:

• اليرقان الفسيولوجي: ناتج عن عدم نضج الكبد لدي الأطفال حديثي الولادة. يختفي هذا النوع من اليرقان تلقائيًا مع تطور الكبد وقدرته على التخلص من البيليروبين.
• قلة الحليب في الرضاعة الطبيعية: قد يسبب نقص الحليب الذي يتناوله الطفل حديثًا زيادة تركيز البيليروبين في دمه.
• تأثير بعض مواد حليب الأم: بعض المواد الموجودة في حليب الأم قد تمنع إخراج البيليروبين من جسم الطفل وهذا النوع من اليرقان يزول عادةً بعد التعرض المستمر للضوء الطبيعي.

مع ذلك، يجب متابعة حالة الطفل والتأكد من عدم وجود أي أعراض غير طبيعية. قد تكون هناك حالات نادرة تتطلب تقييم وعلاج طبي، مثل:

• انسداد القنوات الصفراوية: قد يحدث انسداد في قنوات صفراوية الطفل الحديث الولادة مما يزيد من تراكم البيليروبين.
• العدوى أو التهاب: بعض الأمراض الالتهابية أو العدوى يمكن أن تسبب اصفرار العين وتحتاج إلى تقييم وعلاج طبي.
• اضطرابات وراثية نادرة: في حالات نادرة، قد تكون هناك اضطرابات وراثية تؤدي إلى ازدياد تراكم البيليروبين.

على الرغم من أن اصفرار العين قد يكون طبيعيًا في البداية، إلا أنه من الضروري متابعة حالة الطفل والتشاور مع الطبيب إذا كان هناك أي قلق أو علامات غير طبيعية.

طرق علاج اصفرار العين 

يتم التركيز على علاج اصفرار العين من خلال معالجة الحالة الطبية الأساسية التي تسبب زيادة مستويات البيليروبين. في معظم الحالات، عند معالجة الحالة الأساسية، من الممكن أن يتحسن لون العين ويعود إلى طبيعته.

بالإضافة إلى علاج الحالة الأساسية، يجب مراعاة الأعراض المصاحبة لتغير لون العين. يمكن أن تشمل هذه الأعراض حكة الجلد، الامتلاء في المعدة، التعب، الحمى، براز شاحب، البول الداكن، فقدان الشهية، الغثيان وفقدان الوزن المفاجئ.

تحدد أفضل طريقة لعلاج اصفرار العين من خلال عدة اختبارات وفحوصات، بما في ذلك اختبارات قياس مستويات البيليروبين في الدم وتعداد الدم الكامل واختبارات الكبد الأخرى. تساعد نتائج هذه الاختبارات في تحديد التشخيص الدقيق.

• إذا تم تشخيص حالة معينة تسبب اصفرار العين، مثل التهاب الكبد C أو الملاريا، يمكن وصف المضادات الحيوية والأدوية المضادة للفطريات أو المضادة للفيروسات.
• التغييرات في النمط الحياتي قد تكون أيضًا ضرورية. يُفضل تناول الأطعمة الصحية التي تدعم صحة الكبد، مثل الفواكه والخضروات والحبوب الكاملة والبروتينات الخالية من الدهون والمكسرات والبقوليات.
• في حالة تحسن صحة الكبد والشفاء، ستخف تدريجيًا حدة اصفرار العين وتعود إلى لونها الطبيعي.

في بعض الحالات النادرة، قد يكون الجراحة ضرورية لعلاج الأمور المسببة للاصفرار، مثل انسداد القنوات الصفراوية. 

باختتام هذا المقال، ندرك أهمية العيون كمؤشر صحي يكشف عن حالتنا العامة. إذا ما أصابت العين لون أصفر غير اعتيادي، فإنها تُشير إلى وجود تحديات قد تحتاج إلى اهتمام فوري. على الرغم من كونها مشكلة واجهتها العديد من الأشخاص، إلا أنه يمكن التغلب على اصفرار العين من خلال التشخيص المبكر والعلاج الملائم.

ننصح دائمًا بمراجعة الطبيب في حالة ظهور أي تغيير غير عادي في العين، حيث يمكن للتشخيص المبكر أن يكون مفتاحًا للوصول إلى العلاج المناسب. عن طريق تفهم أسباب اصفرار العين والبحث عن الحلول الصحيحة، يمكن للأفراد المحافظة على صحة عيونهم والحفاظ على راحتهم وجودتهم في الحياة.

في نهاية هذه الرحلة، نؤكد على أهمية الوعي بصحة جسمنا واستمرار الاهتمام بنمط حياتنا الصحي، ذلك لضمان أفضل جودة الحياة واستمرارية العافية.